كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: في ظلال القرآن (نسخة منقحة)



والتقوى زاد القلوب والأرواح. منه تقتات. وبه تتقوى وترف وتشرق. وعليه تستند في الوصول والنجاة. وأولوا الألباب هم أول من يدرك التوجيه إلى التقوى، وخير من ينتفع بهذا الزاد.
ثم يمضي في بيان أحكام الحج وشعائره، فيبين حكم مزاولة التجارة أو العمل بأجر بالنسبة للحاج. وحكم الإفاضة ومكانها. وما يجب من الذكر والاستغفار بعدها:
{ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}..
قال البخاري- بإسناده- عن ابن عباس. قال كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية. فتأثموا أن يتجروا في الموسم. فنزلت: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم} في مواسم الحج.
وروى أبو داود- بإسناده من طريق آخر- إلى ابن عباس. قال: كانوا يتقون البيوع والتجارة في الموسم والحج، يقولون: أيام ذكر. فأنزل الله: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم}..
وفي رواية عن أبي أمامة التيمي قال: قلت لابن عمر: إنا نُكري. فهل لنا من حج؟ قال: أليس تطوفون بالبيت، وتأتون بالمعروف، وترمون الجمار، وتحلقون رؤوسكم؟ قال: قلنا: بلى. فقال ابن عمر: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني فلم يجبه حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم}.
وفي رواية عن أبي صالح مولى عمر (رواها ابن جرير) قال: قلت: يا أمير المؤمنين. كنتم تتجرون في الحج؟ قال: وهل كانت معايشهم إلا في الحج؟
وهذا التحرج الذي تذكره الروايتان الأوليان من التجارة، والتحرج الذي تذكره الرواية الثالثة عن الكراء أو العمل بأجر في الحج.. هو طرف من ذلك التحرج الذي أنشأه الإسلام في النفوس من كل ما كان سائغاً في الجاهلية، وانتظار رأي الإسلام فيه قبل الإقدام عليه. وهي الحالة التي تحدثنا عنها في أوائل هذا الجزء، عند الكلام عن التحرج من الطواف بالصفا والمروة.
وقد نزلت إباحة البيع والشراء والكراء في الحج، وسماها القرآن ابتغاء من فضل الله:
{ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم}..
ليشعر من يزاولها أنه يبتغي من فضل الله حين يتجر وحين يعمل بأجر وحين يطلب أسباب الرزق: إنه لا يرزق نفسه بعمله.
إنما هو يطلب من فضل الله، فيعطيه الله. فأحرى ألا ينسى هذه الحقيقة؛ وهي أنه يبتغي من فضل الله، وأنه ينال من هذا الفضل حين يكسب وحين يقبض وحين يحصل على رزقه من وراء الأسباب التي يتخذها للارتزاق. ومتى استقر هذا الإحساس في قلبه، وهو يبتغي الرزق، فهو إذن في حالة عبادة لله، لا تتنافى مع عبادة الحج، في الاتجاه إلى الله.. ومتى ضمن الإسلام هذه المشاعر في قلب المؤمن أطلقه يعمل وينشط كما يشاء.. وكل حركة منه عبادة في هذا المقام.
لهذا يجعل الحديث عن طلب الرزق جزءاً من آية تتحدث عن بقية شعائر الحج، فتذكر الإفاضة والذكر عند المشعر الحرام:
{فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين}..
والوقوف بعرفة عمدة أفعال الحج.. روى أصحاب السنن بإسناد صحيح عن الثوري عن بكير، عن عطاء، عن عبد الرحمن بن معمر الديلمي. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الحج عرفات- ثلاثاً- فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك. وأيام منى ثلاثة. فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه».
ووقت الوقوف بعرفة من الزوال (الظهر) يوم عرفة- وهو اليوم التاسع من ذي الحجة- إلى طلوع الفجر من يوم النحر.. وهناك قول ذهب إليه الإمام أحمد، وهو أن وقت الوقوف من أول يوم عرفة. استناداً إلى حديث رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي. عن الشعبي عن عروة بن مضرس بن حارثة بن لام الطائي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت: يا رسول الله إني جئت من جبل طيء. أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه. فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد صلاتنا هذه فوقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه».
وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم للوقوف هذا الوقت- على أي القولين- ومد وقت الوقوف بعرفة إلى فجر يوم النحر- وهو العاشر من ذي الحجة- ليخالف هدي المشركين في وقوفهم بها.. روى ابن مردويه والحاكم في المستدرك كلاهما من حديث عبد الرحمن بن المبارك العيشي- بإسناده- عن المسور ابن مخرمة قال: «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفات. فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد- وكان إذا خطب خطبة قال أما بعد- فإن هذا اليوم الحج الأكبر. ألا وإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون في هذا اليوم قبل أن تغيب الشمس، إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها، وإنا ندفع قبل أن تطلع الشمس، مخالفاً هدينا هدي أهل الشرك».
والذي ورد عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دفع بعد غروب شمس يوم عرفة، وقد جاء في حديث جابر بن عبد الله- في صحيح مسلم- «فلم يزل واقفاً- يعني بعرفة- حتى غربت الشمس وبدت الصفرة قليلاً، حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله، ويقول بيده اليمنى: أيها الناس، السكينة السكينة كلما اتى جبلاً من الجبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد. حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً. ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام. فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً فدفع قبل أن تطلع الشمس».
وهذا الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي تشير إليه الآية:
{فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين}..
والمشعر الحرام هو المزدلفة. والقرآن هنا يأمر بذكر الله عنده بعد الإفاضة من عرفات. ثم يذكر المسلمين بأن هذا الذكر من هداية الله لهم؛ وهو مظهر الشكر على هذه الهداية. ويذكرهم بما كان من أمرهم قبل أن يهديهم:
{وإن كنتم من قبله لمن الضالين}..
والجماعة المسلمة الأولى كانت تدرك حق الإدراك مدى وعمق هذه الحقيقة في حياتها.. لقد كانت قريبة عهد بما كان العرب فيه من ضلال.. ضلال في التصور، مظهره عبادة الأصنام والجن والملائكة، ونسبة بنوة الملائكة إلى الله، ونسبة الصهر إلى الله مع الجن.. إلى آخر هذه التصورات السخيفة المتهافتة المضطربة، التي كانت تنشئ بدورها اضطراباً في العبادات والشعائر والسلوك: من تحريم بعض الأنعام ظهورها أو لحومها بلا مبرر إلا تصور علاقات بينها وبين شتى الآلهة. ومن نذر بعض أولادهم للآلهة وإشراك الجن فيها. ومن عادات جاهلية شتى لا سند لها إلا هذا الركام من التصورات الاعتقادية المضطربة.. وضلال في الحياة الاجتماعية والأخلاقية.. تمثله تلك الفوارق الطبقية التي تشير الآية التالية في السياق: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس}. إلى إزالتها كما سيجيء. وتمثله تلك الحروب والمشاحنات القبلية التي لم تكن تجعل من العرب أمة يحسب لها حساب في العالم الدولي.
وتمثله تلك الفوضى الخلقية في العلاقات الجنسية، والعلاقات الزوجية، وعلاقات الأسرة بصفة عامة. وتمثله تلك المظالم التي يزاولها الأقوياء ضد الضعاف في المجتمع بلا ميزان ثابت يفيء إليه الجميع.. وتمثلها حياة العرب بصفة عامة ووضعهم الإنساني المتخلف الذي لم يرفعهم منه إلا الإسلام.
وحين كانوا يسمعون:
{واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين}..
كانت ولا شك تتواكب على خيالهم وذاكرتهم ومشاعرهم صور حياتهم الضالة الزرية الهابطة التي كانت تطبع تاريخهم كله؛ ثم يتلفتون على أنفسهم ليروا مكانهم الجديد الذي رفعهم إليه الإسلام، والذي هداهم الله إليه بهذا الدين، فيدركون عمق هذه الحقيقة وأصالتها في وجودهم كله بلا جدال..
وهذه الحقيقة ما تزال قائمة بالقياس إلى المسلمين من كل أمة ومن كل جيل.. من هم بغير الإسلام؟ وما هم بغير هذه العقيدة؟ إنهم حين يهتدون إلى الإسلام، وحين يصبح المنهج الإسلامي حقيقة في حياتهم ينتقلون من طور وضيع صغير ضال مضطرب إلى طور آخر رفيع عظيم مهتد مستقيم. ولا يدركون هذه النقلة إلا حين يصبحون مسلمين حقاً، أي حين يقيمون حياتهم كلها على النهج الإسلامي.. وإن البشرية كلها لتتيه في جاهلية عمياء ما لم تهتد إلى هذا النهج المهتدي.. لا يدرك هذه الحقيقة إلا من يعيش في الجاهلية البشرية التي تعج بها الأرض في كل مكان، ثم يحيا بعد ذلك بالتصور الإسلامي الرفيع للحياة، ويدرك حقيقة المنهج الإسلامي الشامخة على كل ما حولها من مقاذر ومستنقعات وأوحال!
وحين يطل الإنسان من قمة التصور الإسلامي، والمنهج الإسلامي على البشرية كلها في جميع تصوراتها، وجميع مناهجها، وجميع نظمها- بما في ذلك تصورات أكبر فلاسفتها قديماً وحديثاً، ومذاهب أكبر مفكريها قديماً وحديثاً- حين يطل الإنسان من تلك القمة الشامخة يدركه العجب من انشغال هذه البشرية بما هي فيه من عبث، ومن عنت، ومن شقوة، ومن ضآلة، ومن اضطراب لا يصنعه بنفسه عاقل يدعي- فيما يدعي- أنه لم يعد في حاجة إلى إله! أو لم يعد على الأقل- كما يزعم- في حاجة لاتباع شريعة إله ومنهج إله!
فهذا هو الذي يذكر الله به المسلمين، وهو يمتن عليهم بنعمته الكبرى:
{واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين}..
والحج هو مؤتمر المسلمين الجامع، الذي يتلاقون فيه مجردين من كل آصرة سوى آصرة الإسلام، متجردين من كل سمة إلا سمة الإسلام، عرايا من كل شيء إلا من ثوب غير مخيط يستر العورة، ولا يميز فرداً عن فرد، ولا قبيلة عن قبيلة، ولا جنساً عن جنس.. إن عقدة الإسلام هي وحدها العقدة، ونسب الإسلام هو وحده النسب، وصبغة الإسلام هي وحدها الصبغة.
وقد كانت قريش في الجاهلية تسمي نفسها الحمس جمع أحمس، ويتخذون لأنفسهم امتيازات تفرقهم عن سائر العرب. ومن هذه الامتيازات أنهم لا يقفون مع سائر الناس في عرفات، ولا يفيضون- أي يرجعون- من حيث يفيض الناس. فجاءهم هذا الأمر ليردهم إلى المساواة التي أرادها الإسلام، وإلى الاندماج الذي يلغي هذه الفوارق المصطنعة بين الناس:
{ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}..
قال البخاري: حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت: «كان قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس، وسائر العرب يقفون بعرفات. فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات، ثم يقف بها، ثم يفيض منها. فذلك قوله: من حيث أفاض الناس»..
قفوا معهم حيث وقفوا، وانصرفوا معهم حيث انصرفوا.. إن الإسلام لا يعرف نسباً، ولا يعرف طبقة. إن الناس كلهم أمة واحدة. سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى. ولقد كلفهم الإسلام أن يتجردوا في الحج من كل ما يميزهم من الثياب، ليلتقوا في بيت الله إخوانا متساوين. فلا يتجردوا من الثياب، ليتخايلوا بالأنساب.. ودعوا عنكم عصبية الجاهلية، وادخلوا في صبغة الإسلام.. واستغفروا الله.. استغفروه من تلك الكبرة الجاهلية. واستغفروه من كل ما مس الحج من مخالفات ولو يسيرة هجست في النفس، أو نطق بها اللسان. مما نهى عنه من الرفث والفسوق والجدال.
وهكذا يقيم الإسلام سلوك المسلمين في الحج، على أساس من التصور الذي هدى البشرية إليه. أساس المساواة، وأساس الأمة الواحدة التي لا تفرقها طبقة، ولا يفرقها جنس، ولا تفرقها لغة، ولا تفرقها سمة من سمات الأرض جميعاً.. وهكذا يردهم إلى استغفار الله من كل ما يخالف عن هذا التصور النظيف الرفيع..
{فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب}..
ولقد سبق أنهم كانوا يأتون أسواق عكاظ ومجنة وذي المجاز.. وهذه الأسواق لم تكن أسواق بيع وشراء فحسب؛ إنما كانت كذلك أسواق كلام ومفاخرات بالآباء، ومعاظمات بالأنساب.. ذلك حين لم يكن للعرب من الإهتمامات الكبيرة ما يشغلهم عن هذه المفاخرات والمعاظمات! لم تكن لهم رسالة إنسانية بعد ينفقون فيها طاقة القول وطاقة العمل. فرسالتهم الإنسانية الوحيدة هي التي ناطهم بها الإسلام. فأما قبل الإسلام وبدون الإسلام فلا رسالة لهم في الأرض، ولا ذكر لهم في السماء.. ومن ثم كانوا ينفقون أيام عكاظ ومجنة وذي المجاز في تلك الاهتمامات الفارغة.
في المفاخرة بالأنساب وفي التعاظم بالآباء.. فأما الآن وقد أصبحت لهم بالإسلام رسالة ضخمة، وأنشأ لهم الإسلام تصوراً جديداً، بعد أن أنشأهم نشأة جديدة.. أما الآن فيوجههم القرآن لما هو خير، يوجههم إلى ذكر الله بعد قضاء مناسك الحج، بدلاً من ذكر الآباء:
{فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً}..
وقوله لهم: {كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً}.. لا يفيد أن يذكروا الآباء مع الله، ولكنه يحمل طابع التنديد، ويوحي بالتوجيه إلى الأجدر والأولى.. يقول لهم: إنكم تذكرون آباءكم حيث لا يجوز أن تذكروا إلا الله. فاستبدلوا هذا بذاك. بل كونوا أشد ذكراً لله وأنتم خرجتم إليه متجردين من الثياب، فتجردوا كذلك من الأنساب.. ويقول لهم: إن ذكر الله هو الذي يرفع العباد حقاً وليس هو التفاخر بالآباء. فالميزان الجديد للقيم البشرية هو ميزان التقوى. ميزان الاتصال بالله وذكره وتقواه.
ثم يزن لهم بهذا الميزان، ويريهم مقادير الناس ومآلاتهم بهذا الميزان:
{فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب}..
إن هناك فريقين. فريقاً همه الدنيا، فهو حريص عليها، مشغول بها. وقد كان قوم من الأعراب يجيئون إلى الموقف في الحج فيقولون: اللهم اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولادٍ حسن، لا يذكرون من أمر الآخرة شيئاً.. وورد عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أن الآية نزلت في هذا الفريق من الناس.. ولكن مدلول الآية أعم وأدوم.. فهذا نموذج من الناس مكرور في الأجيال والبقاع. النموذج الذي همه الدنيا وحدها. يذكرها حتى حين يتوجه إلى الله بالدعاء؛ لأنها هي التي تشغله، وتملأ فراغ نفسه، وتحيط عالمه وتغلقه عليه.. هؤلاء قد يعطيهم الله نصيبهم في الدنيا- إذا قدر العطاء- ولا نصيب لهم في الآخرة على الإطلاق!